وماذا نقول في كلمات ألفاز هذه؟ لقد أصابت كبد الحقيقة. طبعاً لا مقارنة بين الإنسان المخلوق الضعيف والخاطئ وبين الله القدوس والقدير، الإنسان أبرّ من الله أم الرجل أطهر من خالقه؟ حاشا..ليسكت الإنسان وليرتعب وهو يتأمل في كمال خالقه وباريه. نقول آمين إذ نصغي إلى كلمات رفيق أيوب، ولكن، ولكن.... لم تكن في محلّها بمعنى أن أيوب الصديق كان شاعراً كل الشعور بأنه لم يرتكب أية معصية لتنهال عليه نوائب الحياة. أقرّ أيوب وشهد في أكثر من مناسبة بأن الله بار وقدوس يتعالى على جميع مخلوقاته من ملائكة وبشر. لم ينكر أيوب ولا مرة في حياته الحقيقية المتعلّقة بربه وباريه. انحصرت مشكلته في عدم فهمه لسبب كل الكوارث التي انقضت عليه وكأنه كان من أعظم وأكبر الأشرار والخطأة. فمشكلة أليفاز الذي جاء مع صاحبيه لتعزية أيوب أنه انقلب إلى مشتك على أيوب لأنه نظر إلى حالة أيوب بمنظور تبسيطي. فالحياة البشرية التي نعيشها في هذه الدنيا هي معقّدة للغاية ولا يمكننا أن نحلّل ونفسّر تفاصيلها على الطريقة التي لجأ إليها أصحاب أيوب الثلاثة. في بعض الأحيان ينال المجرم جزاء جرمه ولكن هذا لا يحدث بصورة دائمة. وفي كثير من الأحيان يتعذب الأبرياء بدون سبب معقول. ليست الحياة الدنيا حياة بسيطة شفّافة بل كثيرا ما تكتنفها ألغاز وأسرار لا نقدر أن نسبر غورها.
نعود إذاً إلى ذكر ما ذكرناه في الماضي بعد أن شرعنا في إذاعة هذه العظات المبنية على سفر أيوب الصديق بأن الله شاء فأعطانا هذا الكتاب لكي لا نسرع في حكمنا على ما يحدث لأقراننا بني البشر أو لأنفسنا عندما تنهال علينا نوائب الحياة. نظرتنا الحياتية هي محدودة إذ أننا لسنا بعليمين بكل شيء. الله وحده عليم وقدير ومهيمن على جميع تفاصيل دنيا البشر. ولا نكون متهربين من مسؤولياتنا عندما نقول: نحن لا نفهم لماذا تمّ ما تمّ ولماذا مات والد هذه الأسرة وترك امرأته وأولاده في حالة يرثى لها، نحن لا نفهم لماذا لا يزال الأسرى بدون حل لمشكلتهم ولماذا لا يزال الجوع يفتك بملايين البشر ولماذا يتقاتل الناس وقد خلقهم الله ليعيشوا بسلام ووئام.
وكذلك أعطانا الله سفر أيوب لنفهم أنه علاوة على العامل البشري في دنيانا هذه هناك العامل الشيطاني الذي يعكّر صفو الحياة ويجعل منها كابوساً مخيفاً ومرعباً. لكن عاقبة أيوب التي سنطّلع عليها في المستقبل سترينا أن الغلبة هي لله ولمحبيه والسائرين على طريقه المستقيم.
وبما أن سفر أيوب هو واحد من أقسام العهد القديم أي كتب الوحي التي جاءت في أيام ما قبل الميلاد، يجر بنا نحن الذين نعيش في أيام ما بعد الميلاد أن نسلّط نور الحي الكامل على مسيرتنا وعلى مشكلاتنا. ما أعنيه هو أن مجيء المسيح المخلّص إلى عالمنا وتتميمه لعمله الخلاصي والفدائي على الصليب يعطينا نور الوحي الكامل الذي يعلّمنا أنه بالرغم من جميع الآلام والعذابات التي تعصف بحياتنا فإن النصر حليفنا فيما إذا كنا قد سلّمنا حياتنا للذي انتصر على الشر والموت والشيطان بقيامته الجبارة من بين الأموات.
يا من تتعذب وتتألم وتتخبّط في تساؤلاتك عن سبب كل ما حدث لك وصار، هل وجّهت نظرك إلى من جاء إلى عالمنا لينقذنا من كل الشرور التي تهدّدنا؟ هل آمنت بالمسيح يسوع كمخلّصك من الخطيئة؟ لا تؤجل إلى المستقبل المجهول أهم قرار في حياتك، أمن بالمخلص اليوم واختبر الغفران والنصر على الشر والشيطان، آمين.
المرجع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]